الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بوجمعة الرميلي يخرج عن صمته ويتحدّث عن حافظ ومحسن و"الشيطان" و"العدّو" وخائني الوطن..

نشر في  18 نوفمبر 2015  (10:38)

مــن حــق حافــظ قايد السـبـســي ومحــســن مـــرزوق أن يــلاقــيـــا «الشيطان».. ولكن بشرط

هذا هو العدو الأكبر للتونسيين

لم أتخيّل يوما أني سأعمل مع «الدساترة»..وانقسام اليسار التونسي يزعجني

نداء تونس «حزب معجزة» ..والشخصنة قادته الى هذا المآل

مازالت المشاكل التي عاش على وقعها مؤخرا حزب نداء تونس تخلّف سيلا من التداعيات على وضع الحركة والبلاد ككل طالما أن ما يجري يتصل بالحزب الحاكم بالأغلبية في تونس، وهذا ما نقلناه رفقة جملة من الأسئلة والمحاورة الى القيادي بنداء تونس بوجمعة الرميلي الذي تحدث عن أسباب الأزمة ونتائجها وطرح حلولا لانقاذ ما يمكن إنقاذه وهو ما تتابعونه في هذا الحوار الخاص بأخبار الجمهورية:

لننطلق من أزمة نداء تونس، إلى ماذا يعيد بوجمعة الرميلي ـ وهو أحد قياديي الحزب ـ أسبابها؟
هي بالأساس أزمة قيادة على اعتبار أنّ نداء تونس حزب جديد استطاع الوصول إلى قيادة البلاد والحكم، بنجاح، في فترة انتقال ديمقراطي حساس، صلب عديد التطورات. وعلى هذا الأساس فقيادة الحزب بنيت من أجل تحقيق هدف أول هو إبعاد كل المخاطر التي تهدد سلامة الانتقال الديمقراطي واستيعاب مطالب الشعب التونسي التي قامت من أجلها الثورة. لكن في المقابل  أصبحنا نعاني من أزمة المخاض الذي يصاحب مرور الحزب إلى المرحلة الثانية والتي تعتبر المرحلة الأدق، وهي بناء المشروع الذي قام من أجله النداء.
 وهذه المرحلة صراحة عكست عدم جاهزيتنا بما فيه الكفاية لمواجهة تحدياتها. وهو ما جعلنا نختزلها في مسألة القيادة، في شكل صراع  بين أطراف تتنازع من أجل «الأحقية» في  القيادة والتحكم فيها. وهو نهج غير ناجح لأنّ المسار المطلوب هو استيعاب كل الحساسيات التي احتضنها الحزب بكل تنوعها واختلافاتها، والابتعاد عن كل مظاهر الاحتكار، حيث أن نداء تونس حزب لا يمكن أن يكون إلا سيد نفسه والمتحكم الوحيد في ذاته.
 وللأسف إنّ  الأزمة التي يعيشها نداء تونس اليوم لا تزعج التونسيين فحسب بل تقلق حتى أطرافا شقيقة وصديقة من خارج تونس، التي انتظرت الكثير من هذا الحزب المعجزة  وراهنت على النموذج السياسي الذي ساهم في إنتاجه. وهي بالطبع أزمة لن تساعد على بناء عامل الثقة والانكباب على تحديات خطيرة مثل الارهاب وأزمة الاقتصاد.
- تفيد بعض المعطيات أنّ المشكل في نداء تونس ليس منحصرا في معركة بين اليمين واليسار، بل هنالك مؤامرة حبكت من قبل أشخاص وقع تكليفهم من أجل تفجير هذا الحزب إلى حزبين أو ثلاثة.. فما هو رأيك؟
 نستمر في القول أنّه ليس لنا اختلافات سياسية داخل نداء تونس، لكن مقدار حقيقة هذا الجواب قد يتطلب تعميقا وتدقيقا وبحثا. سأقول لك بالتحديد ماهو الموضوع المقصود بالتدخل الخارجي لتفجير نداء تونس. تتعلّق هذه المقولة في منطلقها بالعلاقة بحركة النهضة والإلتقاء معها في تجربة الحكم، حيث كان من المعروف أنّ نداء تونس جسّد تطلعات الشباب ومخاوف المجتمع على مكاسب لا يمكن قبول التراجع فيها، ومن المعروف أيضا أنّ حزبنا خلال السنوات 2014،2013،2012،2011 كان يصبّ في واد وحركة النهضة في واد آخر.
  لكن اليوم وبتشارك النداء مع النهضة حسبما فرضه صندوق الاقتراع، وجدنا أنفسنا أمام من يتهمنا  ليس فقط بالالتقاء مع خصم الأمس في الحكم بل التحضير إلى شيء من الاندماج في الحياة السياسية ودليلهم وجود من يدفع داخل الحزب نحو هذا الاتجاه ويخدمه.
- وماذا بعد؟
ما أستطيع قوله انّ قواعد الحزب وإطاراته وقياداته، في المجمل ودون الدخول في التفاصيل، وكذلك المناصرون والمساندون، لم يحيدوا عن الخط الذي أتينا من أجله، وباقون على تمسكهم به. لكن في المقابل تطرح على الحزب معالجة ظاهرة وجود أجنحة، تريد الهروب بـ«الخط» والحياد به إلى اتجاه معاكس أو مخالف، ومن حقنا أن لا نقبل بهذا، لكن دون أن يكون هنالك مسّ من العمل المشترك مع النهضة الذي قد قبلناه بعد ما آلت إليه انتخابات الشعب من نتائج.
- لكن هنالك أطراف تعتبر أن نداء تونس لم يكن مضطرا للتحالف مع النهضة وكان بمقدوره الاتجاه إلى تحالفات أخرى مع أطراف تقدمية تشاركه الحكم دون الاتجاه إلى جناح النهضة؟
يجب في البداية أن نفرّق بين ثلاث نقاط : المشاركة في الحكومة، موضوع <التحالف الاستراتيجي> مع النهضة، وأزمة نداء تونس. ثلاثة مواضيع نحاول الفصل بينها. مع الملاحظة أننا نفرّق في السياسة بين الخصم والعدو. ويجب أن نشدد على أنّ العدو الأساسي والأكبر للتونسيين هو الفكر الظلامي التكفيري الارهابي والمتحجر المنغلق الذي يقاوم الانفتاح على الكون والحرية ويقاوم حقوق المرأة ويناهض الخط الإصلاحي الذي منح الشخصية التونسية ما تمتاز به. هذا هو العدو القاتل الذي ينبثق عنه الفكر الداعشي الذي نعيش على وقعه يوميا، خاصة أنّ الإرهاب ليس بشرطه أن يكون مسلحا بل يكون كذلك في العقول والأفئدة والممارسات عبر الضغط على الشباب في المساجد والمنابر الإعلامية. وهو فكر يتجنّد التونسيون لمقاومته على جميع الأصعدة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو أمنية أو ثقافية.
وبالعودة إلى تشارك الحزب مع النهضة في الحكم،  لنذكّر بأنه قد تمّ في البداية إجهاض حكومة لا وجود فيها لحركة النهضة وماتت وهي في «بطن أمها»، ليجد بذلك نداء تونس نفسه أمام الخيار الوحيد الذي فرض نفسه. وهو تشارك لا يعني تحالف تاريخي ولا يعني الاتفاق حول كل شيء، وإنما تشارك يقوم على برنامج  حكومي مشترك وهو تطبيق مبادئ الدستور التونسي والإصلاحات الديمقراطية والتوافقات الوطنية.
لكن في المقابل سيبقى القطب الحداثي الديمقراطي الذي جسدته البورقيبية ونطوره على ضوء الثورة من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية، القطب الآخر، الذي ينبني على الإسلام السياسي، قطبان متوازيان، يضمن استقلالهما عن بعضهما البعض توازنا استراتيجيا، يمثل كل تفكير في الدمج بينهما خطرا جسيما.
- وقع اتهام حافظ قائد السبسي ومن معه بأنهم المتسببون في انقسامات النداء، فما هو تعليقك؟
 شخصنة المشاكل لا تفيد. لأننا نعاني من ظواهر موضوعية أخطر وأبعد وأعمق من الأشخاص، تتجسد في نزعة الاحتكار والاقصاء و«الهروب بالحزب» و«التهرب من التوافق» وعدم الاعتراف بتضحيات المناضلين الذين ساهموا في بناء الحزب. كل هذه الظواهر الخطيرة بقطع النظر عن الأشخاص يجب انتزاعها من داخل نداء تونس لأنها ستؤدي حتما إلى تحطيمه هذا إن لم نقل انّ النداء أصبح حزبا قريبا جدا من التحطّم.
يجب أن يكون ما يشهده النداء اليوم درسا للجميع. حيث أن اندثاره يعني اندثار التجربة التونسية الطريفة، على الأقل لمدة قبل أن تتأسس توازنات جديدة، قد تكون ليست مضمونة الوصول. ولو كان الحزب سليما من العقليات التي أرادت الاحتكار لما كان كل هذا. فالمسألة أعمق وأخطر بكثير من الشخصنة التي تعتبر التحليل الأسهل. ومن هنا يجب أن نعترف بأنّ حزب نداء تونس غير جاهز لتحمل أعباء المشروع المستقبلي الذي بشر به لأنه ما زال في مرحلة بناء ذاته.
- إذن لماذا دخل المعركة الانتخابية وهو لم يجهز بعد؟
 دخل النداء ككتلة انتخابية كانت عبارة عن لقاء جمع من الشخصيات وروافد ومساهمات وتجارب وكفاءات لها تاريخ وأيضا تقارب من الأحزاب الأخرى وجمعيات، التقاء في المشروع التوافقي التونسي.. وقد قمنا بهذه المهمة على حساب تنظيمنا الداخلي فلم نقم بتنظيم مؤتمر ولم نوفر قانونا داخليا ولا تنظيما لقانون اللعبة الديمقراطية الحزبية ولا منهجية لإدارة الخلافات التي تحدث لجميع الأحزاب.
لقد باغتتنا الخلافات ونحن لا نمتلك الميكانيزم لإدارتها، فعلقنا بها ونحن نفتقر لمنتخبين ومؤتمر جاهز ولجنة نظام، لقد باغتتنا الازمة ونحن لم نجهز لها بعد لأننا تفرغنا لبلادنا ونسينا الحزب فدفعنا بذلك ثمن «غصرة» الإنقاذ التونسي دون أن نمنح لأنفسنا الفرصة لتقوية جاهزية الحزب أولا  لمواجهة الوضع الخارجي الوطني وثانيا لمواجهة صراعاته الداخلية الطبيعية التي كانت تستطيع أن تحلّ في شكل أطر تسوّى بمواقف الأغلبية أو الأقلية وبالمؤتمرات واللوائح.
لم نجد الآليات الكفيلة بحل الصراعات لأننا قمنا بكل شيء من خلال التوافقات: مكتب تنفيذي توافقي، مكتب سياسي حتى لو كان انتخابيا هو توافقي وهيئة تأسيسية توافقية، نحن لم نقم بشيء منتخب لحدّ الآن وهذا هو لب الصراع  فنحن نعيش أيضا على وقع أزمة شرعية الهياكل رغم أننا شدّدنا على وجوب المواصلة في منهج  التوافق إلى أن ينعقد المؤتمر الوطني بما أننا لا نمتلك سوى مؤسسة شرعية واحدة وهي المكتب التنفيذي الذي يتصّف بميزة خاصة وهو أنه يجمع شمل «الناس الكل» حيث تجد به القيادات الجهوية والوطنية والمناضلين الذين بنوا الحزب وكذلك الحساسيات والأجنحة المختلفة.. بل هو يعتبر فضاء مناسبا لحل كل الخلافات.
- انتقد العديد من الأطراف موقف رئيس الجمهورية حول الأزمة معتبرين أنه ساند ضمنيا شقّ ابنه، فما هو رأيك؟
 لم يقل الباجي قائد السبسي انه على نفس المسافة من هذا الهيكل أو ذاك، هو لم يقل أنا مع الهيئة التأسيسية على حساب المكتب التنفيذي، بل قال أنا على نفس المسافة مع الخلافات ويتفاعل مع كل الآراء على نفس المسافة ويعمل على التوافق.
نعود إلى مسألة الهياكل الثلاثة داخل النداء، حيث كانت في الأول هيئة تأسيسية التي هي التي أسست الحزب ومع بداية بناء الحزب ودخوله في معارك سياسية وبعد ذلك انتخابية تكوّن مكتب تنفيذي حول الهيئة التأسيسية وبدأ يكبر شيئا فشيئا عبر استيعاب الإطارات والكفاءات، ووصل في وقت من الأوقات إلى حوالي 90 عضوا قبل الانتخابات.
وبالتالي نستطيع القول ان الهيئة التأسيسية أسست المكتب التنفيذي، وهذا الأخير أنجح مسار النداء.
وقبيل الانتخابات رجعت الهيئة التأسيسية للعمل خاصة في فترة القوائم واستمرت في العمل بعد تنصيب الحكومة والبرلمان، عندئذ دعت مجموعة إلى حلّ الهيئة التاسيسية أو إعطاء وظائفها إلى هيكل آخر على اعتبار أنّ العديد من أعضائها قد انضموا إلى الحكومة والرئاسة والبرلمان ، لذلك جاءت فكرة بعث المكتب السياسي، عبر شرعية توافقية-انتخابية، انطلاقا من المكتب التنفيذي.
وبدأ بذلك المكتب السياسي في العمل. لكن لم يرق للشق الذي لم ينجح في الانتخاب «التوافق»الاستمرار في العمل لعدم وجوده فيه، فدخلنا بذلك في أزمة حادة لكننا استطعنا الخروج منها عبر تسوية تمثلت في جلب محسن مرزوق من الرئاسة ليكلف بخطة الأمانة العامة للنداء وليتخلى الطيب البكوش عنها ويتفرغ للخارجية وأحضرنا فوزي اللومي ليصبح نائب رئيس هو حافظ قائد السبسي والطيب البكوش، كما كلفت شخصيا بخطة الناطق الرسمي. وقد قبلت التسوية على أنها حل مناسب وانطلقنا في العمل وإذا بنا فجأة نعود مجددا للأزمة.
ومن هنا بدأت أولا مظاهر الشخصنة حيث بدأ حافظ قائد السبسي المسؤول عن الهياكل في القول إن محسن مرزوق «يجذب» إليه الحزب مستغلا وظيفته كأمين عام بينما اعتبر محسن مرزوق أن حافظ ينكمش على الهياكل على الرغم من أن الهياكل هي الحزب والحزب هو الهياكل.
لقد كان بالإمكان أن تطرح هذه المسألة داخل المكتب السياسي لحلها وإعادة الامور إلى نصابها لا الحكم بالإعدام على المكتب السياسي وفق ما طلبه حافظ قائد السبسي رغم أنه نائب رئيس به. على العموم نأمل بأن تحلّ كل هذه الأمور ونبتعد عن تأليه هذا الهيكل وشيطنة الهيكل الآخر بينما كل الهياكل ستنتهي بطبيعتها خلال شهري ديسمبر أو جانفي بعد التئام المؤتمر.
- كناطق رسمي هل لك أن أن تبيّن لنا الغاية من زيارة حافظ قائد السبسي لرئيس تركيا رجب طيب اردغان؟
بإمكان كل قيادي حزبي أن يتقابل مع شخصية دولية شقيقة أو صديقة أو حتى مع «الشيطان»، لكن بشرط  احترام جملة من الأليات واتباع مجموعة من القواعد تتمثل في استشارة الحزب قبل المبادرة لنعلم ماهو جدول الأعمال وماهي فحوى المقابلة وما هو موقف الحزب الذي يتعامل به خلال الزيارة، ومن ثم العودة بتقرير مفصّل للنتائج، لأن هذا يدخل في نطاق العلاقات الخارجية لنداء تونس مع الأطراف الخارجية.. وهذا الأمر ينطبق على كل المسؤولين والقياديين الحزبيين مع كل البلدان وجميع الأطراف..
وهذا هو النقد الذي نقوم بتوجيهه سواء لحافظ قائد السبسي أو محسن مرزوق أو أي طرف كان، فلهم وجوب التحفظ والمحاسبة والشفافية في علاقتهم مع حزبهم وقادته لكننا لا نمنعهم من التوجه إلى الخارج للتعريف بحزبنا وكسب علاقات الصداقة والدعم والمعاملات الإيجابية لكن دون المسّ من السيادة الوطنية والحزب الحاكم وخطه الذي نعمل به.
وعلى ضوء هذه التجارب يجب أن تستخلص الدروس للمستقبل.
- حسب رأيك  ما هو الحلّ الأمثل لمواجهة ما ينتظر النداء من «تحطّم»؟
هناك حلّ وحيد وهو ان يلتقي الحزبيون في الاطار المناسب مهما كان شكله لوضع حدّ لمظاهر الإنقسام والتمزق والتصدّع وإعطاء رسالة إلى الشعب التونسي بانهم عازمون على حلّ كل هذه الخلافات والتغلب عليها عن طريق تغليب الروح التوافقية التي لا تنفي الإختلاف والتنوع بل التعايش معه  والبناء عليه .. وعلى كل حال هنالك مبادرة اقترحها رئيس الحزب محمد الناصر في هذا الإتجاه..
- هل لك أن تحدّثنا عن هذه المبادرة؟
هي مبادرة تحتوي على عدّة نقاط كالتالي:
 - الدعوة الى انعقاد مكتب تنفيذي يوم 22 نوفمبر المقبل يشارك فيه جميع أعضائه دون تسجيل أي غياب وذلك لمناقشة مسألة المؤتمر وتقريب وجهات النظر..
- تكوين هيئة مشتركة متوازنة لإعداد جدول أعمال وقرارات المكتب التنفيذي
- تراجع النواب المستقيلين من الكتلة البرلمانية عن قرارهم
- دعوة المكتب التنفيذي المقبل الى انعقاد مجلس وطني يتوّج كل مسار إعادة وحدة الحزب
 - يعاب عليك مواقفك اللينة وأنت الذي تملك تاريخا نضاليا يخوّل لك أن تكون صاحب أقوى المواقف وأشرسها خاصة وأنكم في معركة وجود؟
 تحتوي الإجابة على هذا السؤال على ناحيتين، أولا هو أنّ مهمتي كناطق رسمي تحتّم علي أن أعبر عن موقف وسطي لا يحيد لا على اليمين ولا على اليسار. لكن الأمر الثاني يتعلّق بمعرفة كيفية مجيئي وانخراطي في مسار تأسيس نداء تونس، حيث تم انتخابي سابقا كمنسق عام للتجديد ولكن قبلها في أول اجتماع قامت به حركة التجديد لتقييم المشاركة الاولى في انتخابات 2011 أخبرتهم أننا عشنا عقودا في الاحزاب اليسارية لكن بقينا في أقليات لم تنجح في النفاذ إلى عامة الشعب لذلك دعوت إلى بناء حزب ديمقراطي وشعبي.
وقتها كانت هنالك أجواء تتحدّث عن إمكانية مبادرة لبعث حزب جديد عبر الالتقاء بين مجموعة من المبادرات، وكأنه تعبير على «الواد الذي يجمع العديد من الوديان» وهو المعنى الأصلي واللغوي لكلمة روافد.  ولا مراء بأنها فكرة وطنية وتاريخية، جاءت على خلفية طبيعة الحركة الاصلاحية التونسية، التي كانت لها روافد نقابية ودستورية ويسارية.
وقد كان النظام السابق القديم المتسلّط حاجزا يمنع الاصلاحيين من الالتقاء. لذلك إثر الإطاحة به اعتبر الاصلاحيون أنه آن الاوان لتجميع تلك الروافد وتجسيدها، رغم الوعي بأن هذه الفكرة ستعترضها صعوبات كبيرة. لذلك فضّلنا التأني وعدم الاستعجال خاصة أنّ الدستوريين تحوّلوا في مرحلتهم التجمعية إلى «ماكينة» وليس حزبا سياسيا وبالتالي أن تتحول هذه الماكينة إلى حزب بعد انصهارها في نداء تونس كان من المنتظر أن يستوجب وقتا غير قصير.
هذا هو ـ إذن ـ الذي أعطاني موقفا صبورا ووسطيا متفهما لتعقيدات التمشي، فأنا نفسي لم أكن أتصور أنني سأعمل يوما مع «الدساترة»، وهذا الشيء ينطبق عليهم فلم يتصوروا انهم سيعملون مع اليساريين أو معي. لكن اليوم كل هؤلاء ندائيون رغم التعقيدات.
- بالحديث عن اليسار، كيف يتجسّد دوره اليوم في الحياة السياسية؟
لأني يساري فأنا في نداء تونس. حيث أعتبر أن مهمة اليسار في المرحلة التارخية الجديدة تتمثل في الانتقال إلى موقع الفعل المباشر عن طريق الحكم من أجل تجسيد حلم الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية و حماية السيادة الوطنية. وهي القاعدة الفكرية والسياسية التي يشتغل عليها نداء تونس. لكن أن تكون هناك قوى يسارية هامة خارجة عن نداء تونس ومستقلة عنه فهذا أيضا لا فقط أتفهمه ولكن أيضا أسانده، لأن الانتكاسات واردة والمخاطر موجودة، ووجود قوى تساعد على نجاح مجمل العملية الوطنية الجديدة ومراقبتها، بما فيه من موقع المعارضة أو على الأقل الاستقلالية في القرار، فهذا لا يزيد مشهدنا السياسي إلا متانة ومناعة.    
 - هناك من يعتبر أنّ أكبر «خطيئة» ارتكبها نداء تونس هي عدم تنظيمه لمؤتمر وطني قبل دخوله الانتخابات الماضية...؟
 لقد خيّرنا التضحية بـ«الشانطي» الداخلي للنداء المتمثل في تنظيم مؤتمره لفائدة «الشانطي» الانتخابي بل لقد ضحيّنا بأهدافنا الداخلية من أجل نجاح الاهداف الوطنية فوقتها الاهم بالنسبة لنا هو الوطن وليس الحزب.. وصحيح أننا اليوم ندفع الثمن..
- لو يصل نداء تونس إلى السيناريو الأسوأ لما قد يحدث له ويصبح حزبا منهارا، ماذا سيطرح في هذه الحالة؟
من سيزيد في تأزيم الإنقسام من أطراف تتبع نداء تونس سيكون ذلك منه بمثابة الخيانة الوطنية لأن المسألة خطيرة جدا وهناك توازنات كبرى والنداء وضع له الشعب التونسي أمانة جسيمة بين يديه، فإذا لعبت بها قياداته مهما كانت ومن يتسبب في إشعال فتيل الأزمة فكأنه خان وطنه مهما كان المتسبب فاندثار نداء تونس هو الخيانة الوطنية بذاتها إذن لكل تحمل المسؤولية..
 - بعيدا عن مشاكل نداء تونس، ماهو تعليقك عمّا يحدث في جامع سيدي اللخمي بصفاقس؟
مسألة الإمام رضا الجوادي هي مسألة خطيرة تمسّ في الصميم نموذج المجتمع التونسي الذي اتفق عليه جميع التونسيين وقاموا بوضعه في الدستور وهو الذي يقول إنّ الإسلام دين كل الشعب والدولة هي الراعية له، تبني المساجد وتسهر على تكوين أئمتها داخل الجامعات وعبر البحوث فتمنحهم الشهائد العلمية للقيام بمهمتهم على أكمل وجه متبعين المنهج الوسطي المعتدل المستنير..
كان يجب على الجوادي أن ينأى بالخلافات السياسية وألا يكون منحازا فجامع سيدي اللخمي هو جامع كل التونسيين والأحزاب وليس جامع النهضة فحسب كما يعتبر البعض، لذلك فمن غير المقبول بث خطاب سياسي تحريضي داخل الجوامع بل إعطاء خطب تحث على قيم الإسلام السمحة وتشجع الشباب على العمل والتعاون والتكافل ومقاومة الإرهاب وتمتين مؤسسات الدولة والدفع نحو التعايش السلمي بين بني نفس الوطن..
لذلك فهذه المعركة يجب أن تشارك فيها كل الأحزاب من بينها النهضة حتى تحيّد المساجد عن التسيّب الذي يشبه التسيس الحزبي هذا إن لم يكن كذلك، وأن يكون لدينا أئمة ملتزمون بالحياد التام.. كما أننا في حركة نداء تونس نساند وزير الشؤون الدينية المدعوم كذلك من قبل رئيس الحكومة ورئاسة الجمهورية من أجل موقفه لأنه الأصلح لتونس..
- كلمة أخيرة..
يعيش الأمل!  رغم الصعوبات ورغم كل ما حدث. فليبق الأمل في النداء. لأنّ هذا الحزب حلم ومشروع كبير وتاريخي لن ينكسر بسهولة رغم كلّ ما نراه في وسائل الإعلام. وبالتالي يجب المحافظة عليه وإن شاء الله تكون قيادات نداء تونس في المستوى المطلوب.

حاورته: منارة تليجاني